03 June 2023

صباح معطر بالذكرى

.


 في هذا الصباح ذهبت إلى منزل عائلتي.. 
ذهبت بخطى بطيئة إلى ركن محدد في المنزل 
مرت سنوات طويلة وهذا الركن مغلق تمامًا 
ولا يمكن أن يقترب منه أحد سواي

اليوم قررنا أن نُخرج كل الأشياء التي سنستغنى عنها قبل أن ننتقل إلى بيت أخر
ونترك هنا الذكريات والأمل والحلم والحب والدموع والحزن وسنوات العمر!
افتح اوراقي القديمة واضعها أمامي، تواجه حنيني
هنا كتبت أحلامي، ونقشت وجمعت الكثير من هواياتي 
هنا كتاباتي وأوراقي وكتبي
وهنا اسماء اصدقائي القدامى
وهنا أسماء أخرى لم أعد أتذكر تعود لمن
على الرغم من أنهم نعتوني بألقاب من المفترض أن تكون هي الأقرب 
مثل "حبيبتي.. صديقتي.. أختي"!
ولكن من قال أن الألقاب تلتصق بنا طوال العمر؟ من قال إنها تنبع من القلب؟

فتحت حقيبة صغيرة، لم أجد بها سوي زهرة ياسمين جافة ورائحة عطر ملئت الغرفة حولي
شعرت إنني عدت إلى عشرون عامًا ماضية
في تلك الحقيبة تُركت الهدية الأولى التي جائتني من معجب ما
ظللت ابحث لأيام طويلة عن هذا المحب المجهول حتى تعرفت عليه
واجهني يومها ولم ينطق بكلمة واحدة
ولكنني تعرفت عليه من رائحة عطره المميز الذي تعمد نثره في كل زوايا هداياه وأوراقه
وإلى اليوم لم استطيع أن أعرف اسمه
ولم اشتم العطر نفسه مرة أخرى، وكأنه صنع من أجله فقط.. ومن أجلي!

كنت صغيرة لم اتعدى الخامسة عشر عامًا وكان يكبرني بنحو اربع سنوات
نظراته كانت توحي بالحب، ولكنني كنت أصغر من أن أعي ذلك حينها
ظلت نظراته ترسل لي محبة تسع الكون، وعطره تربع داخل ذاكرتي وقلبي
ولا أعرف حتى الآن كيف احتفظ هذا العطر برحيقه طوال تلك السنوات وظل مختبئ هنا ينتظرني؟!
أم أن ذاكرتي هي التي تلاعبني لعبة الحنين المعتادة
 واستطاعت أن تعيد لي رائحة هذا العطر المميز بشكل افتراضي؟!

تركت الذكريات وعدت إلى الحاضر
لأجد في وسط دفاتري ورقة أخرى كان أرسلها لي المعجب ذو العطر المميز نفسه
وكتب لي فيها: "ستظلي أنتِ الحب الأول مهما مرت السنوات"
مع أمضاء باسمه للمرة الأولى والحرف الأول من اسمي بجانبه
كانت محبتة خالصة وخضراء زاهية 
لم استطيع أن استجيب لها وافهمها بالقدر الكافي في هذا العمر الصغير
اسماني ياسمين على الرغم من أنه لم يكن اسمي
ولكنه وصفني بالنقاء كـ لونها، فأحببت الاسم وربما أحببته!

بعد هذا الصباح وفي صباح أخر.. رأيته! 
وكأن زهرته وعطره ورسائله كانوا نداء حتى يلبي القدر لقائنا!
لم تتغير ملامحه، ولا يمكن التوقع مطلقًا أن هذا الشخص نفسه يقترب عمره من الأربعين
فيبدو أن قلبه المحب الزاهي كان سبب لتبقى ملامحه نقية كما هي
وكأن العمر لم يمر فوقها.

نظر إلىّ دون أن ينطق بكلمة واحدة
ونظر إلى أطفالي الذين كانوا يلعبون أمامي.. وأبتسم
علمت أنه لم يتزوج حتى الآن
وكأنه يرسل إلىّ رسالة خفية أنني مازلت الحب الأول بقلبه.. وربما الأخير!
 وأن عطره الباقي في خزانتي منذ سنوات طويلة كان قطعة محبة مجسدة من قلبه
لا يمكن أن تنضب رائحتها أبدًا.


0 comments

:a: :b: :c: :d: :e: :f: :g: :h: :i: :j: :k: :l: :m: :n:

Post a Comment