26 January 2020

إلى صديقتي التي رحلت.. 2

.




إلى صديقتي التي رحلت..


لقد بدأ عام جديد ياأمي منذ أسابيع

يبدو أن الحياة والزمن يرفضوا الأعتراف أن أحدى موزاينهم اختلت حين رحلتي، ويصروا على الأستمرار!

مازلت خائفة يا أمي، تهاجمني نوبات الأكتئاب والحزن كثيرًا فجأة ودون إنذار.
البكاء أصبح هو أقل الأضرار، الضرر الأكبر حين أبهت ياصديقتي!
تظهر عصبيتي فجأة وتختفي فجأة، تبهجني بعض الأشياء لمدة قصيرة ثم تصبح كغيرها لا تلفت نظري.
أمِلُ سريعًا من كل شيء، وكلما شغُفت بشيء جديد أخاف أن أفقد ذلك الشغف بعد وقت قصير دون سبب.
أصبحت لا أبالي برحيل الأشخاص من حياتي، فبعد رحيلك أصبح رحيل العالم بأكمله لا يعنيني.
البكاء يضر عيني قليلًا، ولكن كل ما سبق يضر روحي كثيرًا وطويلًا!

على غير عادتي.. أصبحت أخاف الوحدة والهدوء جدًا، أصبحت أبحث عن الأصدقاء والونس في كل مكان أذهب إليه.
ولكن كل الونس لا يستطيع إحتوائي، كان يكفي وجودك يا أمي ليكون هو كل الونس.
كانت جلساتك واتصالاتك تسليني في أي وقت يقتلني الملل فيه، بينما الآن يقتلني الملل ويقتلني عدم وجودك في تفاصيلي معًا.
هل تعلمي ياأمي كم تغيير البشر من بعدك؟!!
هل تعلمي كيف صاروا أبعد من كانوا هم الأقرب؟!!
يبدو أن كل شيء تغيير برحيلك، وكأنكِ كنتِ ميزان حياتي.


أريد أن أملئ يومي بأي شيء وكل شيء يجعلني أتغاضى عن التفكير في فكرة أختفاءك من عالمي.
ليداهمني خاطر في وسط أنشغالي أن اهاتفك، فقد مرت ساعات طويلة من يومي دون أن أطمئن عليكِ، فأتذكر إنني لا أستطيع ذلك!
أصبحت أعمل وأتعلم وأكتب وأقرأ وأعتني بأطفالي وأمارس مسئوليات البيت وربما الذهاب لمكان ما في وسط كل هذا، ولا شيء يطغى على احساسي بأحتياجي لكِ في يومي ياأمي!

حين توفى أبي في ليلة أمتحاني في عامي الدراسي الأخير بالجامعة أخبرتيني ألا أضعف وأن أذهب لأمتحاني دون تأخر، ويجب أن نصمد معًا حتى نمر من ذلك الموقف الصعب ونحن أقوى.
رفضتي أن أرتدي الأسود أكثر من أربعين يومًا، أرتداء الأسود الذي كان من الأصل رغبتي الشخصية.
وجودك حينها كان هو الآمان والطمأنينة، لذا كانت الصدمة أهون كثيرًا والجرح التئم رويدًا.
كنتِ أنتِ السند، كنت أعرف جيدًا أن لا شيء سيتغير من حولي طالما أنتِ موجودة، فلم يحمل قلبي هم شيء، ولم أفكر ماذا سيحدث غدًا.

حين توفت جدتي بالرغم من الصدمة إلا أن مرضك والأنشغال به، ووجودك وترتيب الله لأشياء أخرى حينها، كان يهون الفراق.
وأيضًا حينها رفضتي أن أرتدي الأسود أكثر من أربعين يومًا، والذي كان بناءً على رغبتي كذلك.

منذ وفاتك ياأمي ولا أستطيع أن اتخلى عن الأسود حتى الآن، لا يجبرني أحد على ذلك ولكنها أيضًا رغبتي.
أصبحت أرتاح أكثر في الأسود، وكأن الأسود يريد أن يطغى على ما بداخلي وما بخارجي على حد سواء.
أشعر أن الأسود يريد أن يأكلني يا أمي! 
وأخاف مع الوقت ألا أمانع!!


0 comments

:a: :b: :c: :d: :e: :f: :g: :h: :i: :j: :k: :l: :m: :n:

Post a Comment