15 August 2024

اليوم أريد أن أعاتب أمي

.
0 التعليقات


ألم يقولون دائمًا أن العتاب دليل على المحبة؟ هل يمكن كلما زاد عتابي لها أن تعرف كم أحببتها ومازلت؟ هل يمكنني أن أعاتبها اليوم على كل شيء.

أعاتبها مثلًا عن كيف أمكنها الرحيل دون أن تخبرني ماذا أفعل بكل تلك السنوات الباقية دونها؟
أعاتبها أن الشمس مازالت تشرق والكواكب ظلت تدور في مكانها، مسار الكون لم يتغير كما من المفترض أن يحدث في تلك الحالة الواقعة الآن، أن كل الأشياء ظلت تعمل كما هي إلا قلبي، هل يمكنها أن تفعل شيئًا من أجله؟

أريد أن أعاتبها على عدم صراحتها معي، لقد أخبرتني ماذا أفعل ببعض الأشياء التي تركتها قبل رحيلها واسقاط الديون عن بعض الأشخاص؛ وكأنها تترك صدقة لها دون أن تدري، ولكن لم تخبرني كيف يمكنني سداد ديون محبتها التي أغرقتني فيها طوال عمري؟ كيف يمكنني أن أستمر وأحيا وأربي أطفالي وأطهي الطعام التي برعت هي فيه دون نصائحها؟ أن أعيش دون قلب حي يستطيع أن يهرب من الحزن؟

هل كان يمكن ياأمي ان تخبريني أن هناك يومًا سيأتي ولا تتردد أنفاسك في هذا الكون الذي أحيا أنا فيه؟ هل كنت تعرفين ولم تخبريني أن كل شيء سيتبدل؟

أريد أن أعاتبها على كل البصمات التي تركتها في كل شيء لمسته هنا، رائحتها التي مازالت تعبق الحياة بأكملها وليست ملابسها وطوق شعرها الذي بقيّ منها، صوتها الذي مازال يتردد في أذني وينطق باسمي.

أريد أن اعاتبها على اطفالي الذين تركتهم خلفها ولم تمنحهم قدر الحنان الذي رغبت هي في منحهم أياه، أعاتبها كيف أمكنها تركهم ولا تشبعون منها وهي كذلك، أعاتبها على كل تلك المناسبات والأعياد واللحظات السعيدة التي لا تتواجد فيها وتُلتقط صور كثيرة تخلو من وجهها الصافي المبتسم.

أريد أن أعاتبها اليوم لأن في اليوم ذاته منذ خمسة سنوات كنت اقف أمامها، ابتسامتها كانت هنا، أسنانها عادت بيضاء ناصعة كما كانت، جسدها عاد إلى وزنه الطبيعي لا أعرف كيف، اختفت كل الكدمات التي سببتها المحاقن في جلدها، كنت المس شعرها الناعم أغسله بدموعي المتساقطة، شعرها الذي قرر أن يبقى ولا يرحل كما المتوقع في حالها هذا، كل شيء كان هنا، إلا شيئًا واحدًا كان هو الأهم؛ أنفاسك ياأمي لم تكن هنا!
قلبك رحل وترك كل شيء وراءه، ترك الألم والمرض وتوقف عن كل شيء إلا المحبة التي تركها تغرق العالم خلفه، هل تعمدتِ ترك كل تلك المحبة لتنقذني حينما أغرق في الحزن؟

هل يمكن أن اعاتبك ياأمي واسألك كيف أمكنك ذلك دون أن تخبريني؟ هل كان يمكنك أن تمنحيني بعضًا من قوتك وصمودك أمام كل شيء؟ لقد كنت أضعف كثيرًا منكِ وظللت سنوات أبحث عن سبيل للخروج من البئر الذي سقطت فيه، بئر مظلم، يملئه ماء ثقيل أسود اللون، كان ماء الحزن ياأمي!

أنا أكذب، لا اريد معاتبتك ياأمي، أريد فقط ضمة تخبرني أن العالم مازال بخير، أن كل شيء آمن كما كان وأنتِ هنا، ضمة تخبرني أن الألم سيرحل تمامًا يومًا، أن مازال لنا لقاء حتى وأن طال العمر.

readmore »»