اقتربت ذكرى يوم مولدك، ظللت أفكر ماذا يمكنني أن أهديك، شيء مميز ومختلف،
حتى وجدت الحل أمامي،
رحلة إلى سانت كاترين في الشتاء لمشاهدة شروق الشمس من فوق الجبل وزيارة دير سانت كاترين،
رحلة مميزة، في يوم مميز كيوم مولدك، وفي فصل مميز كالشتاء.
قررت البدء في تخطيط الرحلة بتفاصيلها،
ماذا سنرتدي لمقاومة البرد القارص،
ماذا سنأخذ معًا للتدفئة في باقي اليوم، وجبات خفيفة تساعدنا على الدفء،
وملابس للبحر صباحًا إن اراد جنانك ذلك،
قبل موعد الرحلة بفترة قصيرة أخبرتك بخطتي،
في يوم الرحلة قررنا أن نترك صغيرنا لدى والدتي لتعتني به،
فتلك الرحلة لا يتحملها الأطفال أبدًا،
وذهبنا إلى مكان الالتقاء، صعدنا إلى الحافلة، التي بدأت تأكل الطريق أمامنا.
في منتصف الليل قرروا إطفاء أنوار الحافلة تمامًا لمنحنا وقتًا من الراحة لتحمل مجهود الغد،
فقمت بإخراج الكتاب الذي احمله معي للقراءة في رحلتي،
ووضعت أنت رأسك على كتفي لتنام قليلًا،
وبعد بعض الوقت قمنا بتبديل الأدوار.
مرت تسع ساعات ما بين النوم والاستيقاظ،
وما بين الطريق المظلم والاستراحات والكمائن التي نتوقف عندها ليروا هوياتنا ووجوهنا،
حتى وجدت أمامي يافطة تقول "مرحبًا بكم في طابا" شعرت بالفخر،
تلك القطعة التي سرقت منا وعادت بـ دماء نقية دُفنت هنا ونبتت منها أشجار وزهور،
فالتقطت لها صورة للذكرى.
وصلنا إلى قلعة صلاح الدين الأيوبي في سيناء،
نقف فوق الجبل نرى الماء الصافي امامنا
ويفصل بيننا وبين خليج العقبة بضع كيلومترات،
العالم صغير مهما ارتفعت وامتدت الحدود.
انتقلنا إلى فيورد باي وقفنا أمام الماء الممتد أمامنا،
والذي يقف في بدايته جبلين صغيرين شامخين يزيدون من جمال الماء نفسه،
التقطنا صورًا كثيرة، ومنها صورة لنبته تخرج من الأرض الصحراوية،
وكأنها رسالة أن الأخضر يمكن أن ينبت من الأصفر،
وأن الجفاء يمكن أن يخرج منه النقاء.
النقطة التالية في رحلتنا كانت رأس شيطان، قطعة من الجنة كما أقول دائمًا،
استرحنا في الجلسة العربي
وأمامنا البحر الذي تسقط عليه أشعة الشمس فتجعله يتلألأ أمام عيني، وكأنه فصوص من الماس،
خلفنا جبل كبير تخرج منه الأشجار في ملحمة متناغمة من الجمال ونعم الله.
وضعت رأسي على كتفك ونمت قليلًا،
وحين استيقظت كانت الحفلة بدأت،
بدأنا في بناء الأحاديث مع المجموعة التي أتت معنا في الرحلة،
وأخذ دورنا في الألعاب التي ابتكروها،
ثم التقاط الصور لهم ومعهم والأغاني تملئ المكان حولنا.
ليلًا جاء موعد صعود الجبل، كان صعودًا مرهقًا وصعبًا،
في الربع الأول من الطريق لم استطيع استكماله
فاستعانا بالجمل الذي ساعدنا في قطع منتصف المسافة،
حتى الآن لا أعلم كيف جاءتني الجراءة لأصعد فوق جمل
يتمايل بشدة على حافة جبل في ليل مظلم لا أرى منه شيء،
ولكن جاءتنا الإجابة من صاحب الجمل "ده عارف الطريق أحسن مني ومنك"
فاطمأننت بعض الشيء.
وصلت إلى صف طويل من الدرجات الصغيرة التي لا يمكن أن تأخذ فردين معًا،
ظلام دامس أمامي وبجانبي جعلني أخاف، وجودك فقط هو ما طمئنني،
جعلتني أجلس على جانب الجبل ومنحتني بضع تمرات لتمنحني مزيدًا من الدفء،
وظللت توزع على الأخرين الذين جلسوا بجانبنا والذين قرروا استكمال الصعود.
البرد كان يأكل جسدي بالرغم من أنني ارتدي اثقل ملابس لدي وبـ عدة طبقات فوق بعضها البعض،
حتى نظرت إلى هاتفي
لأجده يظهر عليه درجات الحرارة التي تشير إلى أن درجة الحرارة أربعة تحت الصفر،
كانت المرة الأولى والأخيرة التي أرى فيها هذا الرقم الذي لم اتخيل أنني سأراه يومًا.
لم نستطيع استكمال طريق الصعود،
وحينها كأن الشمس قررت أن تنتظرنا
فظلت مختبئة خلف السحب ولم تشرق يومها بوضوح،
لم يرى أي شخص تكبد عناء الصعود شروق الشمس بالشكل الذي كان يتمناه،
فقولنا "كويس أننا مكملناش كنا هنزعل" وضحكنا.
جلسنا نشاهد النجوم التي كانت بازغة يومها لدرجة إنها كانت تضيء الظلام حولنا،
قررنا العودة مرة أخرى هبوطًا،
تدفئنا جيدًا والتقطنا الصور وشاهدنا بزوغ ضوء الفجر خلفنا في كل صورنا بالتدريج،
ولكننا وجدنا أننا وبالرغم من التزامنا في الهبوط من الطريق نفسه الذي صعدنا منه
إلا أننا هبطنا في مكان أخر تمامًا.
وجدت نفسي أمام دير سانت كاترين مباشرة،
اختطف قلبي، دخلت إليه،
شاهدت الشجرة المقدسة، ظللت أسير داخله أشاهد تفاصيله وانا صامتة وأشعر بالمهابة،
راحة وطمأنينة بالغة، حلم يتحقق، محبة وزفرة عميقة خرجت من قلبي حينما جلست أمامه.
رحلة صعود وهبوط جبل كانت مرحة وممتعة ومرهقة،
حب وطمأنينة وابتسامة ملئت اليومين بأكملهم،
لم يكن الهدف من الرحلة صعود الجبل فقط،
ولكن كانت كل التفاصيل الأخرى والمشاعر التي مررنا بها،
ليست الحكمة في عنوان الكتاب، ولكن الحكمة في المختبئ بين سطوره
ليست الحكمة من الرحلة هي الوصول أو حتى الطريق ولكن الرفيق.
النص مشاركة في مبادرة الكتابة اليومية في شهر ديسمبر
0 comments
Post a Comment